Wednesday, February 20, 2008

الإضراب تاريخا وحاضرا ومستقبلا --- الجزء الثاني


كانت مرتبات الاطباء ضئيلة والحكومة لا تستجيب، فليُضرِب الأطباء إذن، نعم، ولكن كيف يكون ذلك؟ نعم نُضرب عن العمل في العيادات الخارجية بالمستشفيات، ولكن لا بد أن يستمر العمل في الحالات العاجلة (حالات الاستقبال والحوادث) فلا يمكن أن يمتد الإضراب إليها.

بدأت الفكرة في منزل الأطباء النواب بطب الإسكندرية بين الزميل الدكتور علي نوفل وبيني... اقتنع الأطباء النواب والامتياز بالإضراب ولكن هذا لم يكن كافياً. وهنا ظهر الدكتور رشوان فهمي فأعطانا دفعة قوية وأقنع أعضاء هيئة التدريس فأيَّدوا الإضراب - وكوَّنَّا لجنة ، سافر كل عضو منَّا إلى عدد من المحافظات داعياً إلى الإضراب فأضرب جميع أطباء مصر. أتذكر أنني سافرت إلى محافظات القنال: السويس والإسماعيلية وبورسعيد.

دعونا إلى مؤتمر صحفي بالكلية - تكلم رشوان فهمي بشجاعة وطلاقة " إن المبالغ المخصصة لإصلاح حال الاطباء أقل مما يصرف على حفلات عيد ميلاد الملك."
لقد آن لنا أن نتكلم.
ثم دعاني إلى التكلم فقلت أن المبالغ اللازمة لنا أقل من الميزانية التي اعتمدتها الحكومة للإنفاق على سيارات ويخوت الخاصة الملكية...

وكان وزير الصحة عبد الجواد حسين، قد هدد الأطباء بأنه سيقدم للنيابة كل من يضر بحياة المرضى فبينت للصحافة أسلوب الإضراب الذي لا يرفض علاج الحالات العاجلة بل يصر على علاجها، وقدمت لهم قائمة بالعمليات التي أجريت بالمستشفى في اليوم السابق للمؤتمر.

ثم قلت: ونحن نوافق على ما صرح به وزير الصحة، لذلك أطلب تقديم الوزير للنيابة، لأنه المسؤول الأول عن الإضرار بحياة المرضى لعدم توفر العقاقير اللازمة للعلاج، كما هو مثبت في أوراق المرضى، وكنا نحن الأطباء المقيمين نتبع إدارياً وزير الصحة.

وفي اليوم التالي صدرت بعض الصحف وبها أخبار المؤتمر وفي الصفحة الاولى "طبيب يطلب تقديم وزير الصحة للنيابة - مدرس بكلية الطب يعارض إهدار مال الدولة على الحفلات الملكية"

كانت الحكومة التي تحكم مصر هي حكومة الوفد برئاسة مصطفى النحاس، انتظرنا أن يقبض علينا ، فلم يقبض علينا أحد ولم يستدعنا أحد -قمة الديموقراطية- قال لي الدكتور رشوان: أعتقد أننا أصبحنا من غير المرغوب فينا في هذه الكلية- وأنت لا تزال نائباً ولا أعتقد أنك ستعين هنا.
- فليكن ما يكون وسنستمر فيما بدأنا فيه ، فلا سبيل إلى التراجع....

استمر الإضراب خمسين يوماً وعمَّ مصر كلها ، وتم إصلاح أوضاع الأطباء بعدها.))

أ.د. مصطفى الرفاعي أستاذ جراحة المسالك البولية ، كلية طب الإسكندرية، متحدثاً عن
إضراب الأطباء عام 1951

من كتاب خواطر طبيب - الطبعة الأولى 1995 - منشاة المعارف



No comments: