و كانت النوبتجيه طويلةً شاقه و آتاه فيها كل ذو علة و فاقه (أي فقر) ، و لما كان الطبيب آدمياً من لحمٍ و دم و أسرته لها عليه واجبٌ لزم و لا يريد أن يعود عليه التقصير في حقها بالقدح و الذم ، زوغ من نوبتجيته الطبيب المحترم.
و لأن الرياح تأتي دوماً بما لا تشتهي السفن ،إنقض على حين غره في البيمارستان التفتيش الفجائي، قلب في الأوراق و الدفاتر و بعثر الألواح و الستائر و لم يُعثروا على أثرٍ للطبيب الحائر فثار المفتش كالبحر الهادر ، و حول الطبيب و طاقم التمريض إلى النيابة الإداريه لتضرب بكل حزم و حسم بيد حديديه على هذا المقصر المهمل أبو بالطو و جلابيه و هو يكظم غيظه لأن يده لا تطال تحويله إلى المحكمة العسكريه.
و في أروقه النيابه جلس السيد الوكيل و إنجعص .. و بعد أن لطع الطبيب ساعتين دق لخادمه الجرس ، و أن إسمح لهذا النحيل الهذيل المدعو فلان ولد عزرائيل بالدخول دون تلكوءٍ و تعطيل ... "و أمر لي بكوب دافئ من الجنزبيل" قال الوكيل.
و بعد السين و الجيم و الكاف و العين و الصاد و الضاد و الغين ،هب السيد الوكيل و صرخ "لقد تربحت من مهنتك يا أفندي .. و تركت العمل و الدليل عندي" و أحمر وجه الوكيل من الغضب و شمت في أرجاء المكاتب رائحه اللهب.
إلا أن الطبيب الهذيل أبو بالطو و منديل قال و قد إرتعدت فرائسه "يا بيه و هل تعلم كم أتقاضى ، لقاء النوبتجية و العياده؟"
زمجر الوكيل و قال "كم يا هذا؟ إنطق في الحال"
قال "ستة جنيهات"
فاسبهل الوكيل و أنحول و طأطأ رأسه من الخجل و أعتذر و تأسف و سمح للطبيب فقام و أنصرف
-----------
القصه واقعيه و حدثت بالفعل في منتصف التسعينات لأحد الزملاء و الحال اليوم ليس أفضل كثيراً
No comments:
Post a Comment