حاحا وتفاحة وأجور الأطباء

حاحا وتفاحة وأجور الأطباء

PDF تصدير لهيئة طباعة ارسال لصديق
11/04/2009
سليمان القلشي

s.elqalshy@gmail.comهذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته

«يا بت إنتي تطولي تتجوزي دكتور.. دا دكتور.. عارفه يعني إيه دكتور».. هكذا كانت كلمات فناننا المبدع طلعت زكريا موجهها إلي الفنانة ياسمين عبد العزيز في فيلم «حاحا وتفاحة» وهو يعرض عليها الزواج من أحد الأطباء ومع ذلك رفضت تفاحة الزواج من الطبيب وفضلت عليه بائع الأنابيب هذه حكاية تذكرتها مع حكايات أخري مثل هذا الطبيب السمين الذي كان يجوب مدينتنا الصغيرة ومعه التمرجي الخاص به حاملاً حقيبة الدكتور وانبهارنا الشديد ونحن أطفال عندما نجد هذا الدكتور يدخل بيوتنا ليكشف علي أحد المرضي وننظر بعيون فاحصة إلي سماعته
وكانت كلمات آبائنا وأمهاتنا إلينا ونحن صغار «عاوزينك تكبر وتنجح في المدرسة عشان تبقي دكتور» وأتذكر الأيام الخوالي في الماضي التي كان فيها الطبيب محل احترام وتقدير وغيرة ولازلت إلي الآن أتذكر كيف حزنت زوجتي حزنًا شديدًا لأن أولادنا الثلاثة لم يلتحقوا بكليات الطب مع أنهم كانوا قاب قوسين أو أدني من هذا الحلم المصري الموجود في كل بيت، ومع أن تجارب أولادي دخلت في مجال آخر كان أكثر نضجًا ونجاحًا من مجال الالتحاق بالطب لازلت أري في عيون زوجتي حزنًا دفينًا من أجل عدم التحاق أي من أبنائنا بعالم الطب والأطباء.. كل ذلك تذكرته وأنا أري ما يحدث للأطباء هذه الأيام من تدن واضح للأجور وصل إلي أن يقف الأطباء في الشارع عبر مظاهرات ومسيرات ووقفات احتجاجية ولافتات رفعوها أحزنتني مثل: «لا عيادة ولا عربية محتاجين 1000%» ويطالب الأطباء بزيادة رواتبهم لأن هناك تفاوتًا رهيبًا بينها وبين رواتب العاملين في القطاع الخاص في مهن أخري، بل إن رواتبهم تقل عن مثيلاتها من الرواتب للعاملين في مؤسسات حكومية مشهور عنها الغني مثل البترول والاتصالات والخدمات المصرفية شيء حزين.. شيء يدعو للأسف.. كيف لهذا الطبيب الذي أفني عمره في الدراسة وبذلت أسرته من الجهد والعرق والمال الكثير.. كيف لهذا الطبيب أن يتسول لقمة عيشه وأن يضعوه في المستشفيات الحكومية في الحسابات المعقدة ولكم أن تتصوروا كيف يمكن لشاب طبيب خريج أكبر الكليات في التنسيق.. كيف له أن يكون مجمل راتبه 250 جنيهًا ويكون راتبه الأساسي لا يتعدي الـ 150 جنيهًا وتطالبه الوزارة أن يقطن في منطقة المستشفي الذي يعمل به ويقيِّمه مدير المستشفي كل فترة ليجد هذا الطبيب نفسه في النهاية تحت ضغط مزاج السيد المدير.. وغيرها الكثير من المشاكل التي تواجه الأطباء في حصولهم علي درجات علمية عليا وأصبح الكثير منهم عاجز عن توفير مصروفات درجة مثلاً كالماجستير، ومن الغريب أن وزارة المالية تعترض علي صرف حافز الطبيب الذي يصل إلي 300% تحت زعم أنه يتعارض مع حافز المحليات الذي يقدر بـ 75 % من أساسي الراتب، ويؤكد الأطباء أن هناك بعض المديريات تصرف هذا الحافز للبعض والآخر لا يصرفه كاملاً.. الحقيقة أنني كنت في قمة الذهول من التحقيق الممتاز عن أجور الأطباء في الدستور الأسبوعي والذي أعده طارق عبدالعزيز.. ذهول من الأرقام وذهول من أن بعد خدمة الطبيب في المستشفيات ما بين 15 و25 سنة وبعد أن ينال درجة الإخصائي يصل راتبه إلي 900 جنيه.. تخيلوا معي ماذا تفعل الـ900 جنيه لطبيب يحمل الماجستير، ومن المضحك المبكي أن الوزارة أيضا ترفض صرف حافز الطبيب والمقرر له 30 % من أساسي الراتب والذي يبلغ 180 جنيهًا فقط بعد 15 سنة بدعوي تعارضه مع حافز المحليات الذي يقدر بـ 75 %، ومع زيادة حجم النكتة وشكلها يحصل الطبيب الاستشاري الحاصل علي درجة الدكتوراه علي ألف جنيه شهريا، أي عقل يقول أن يتم بهدلة الأطباء علي هذا النحو لذلك لم يكن غريبا أن تخرج علينا الدستور بصورة لتوك توك يباع ويقال إنه استعمال طبيب، فبدلا من السيارات التي كان يتميز بها الطبيب علي مر التاريخ أصبحت نهايته التوك توك، ولم يكن غريبا أيضا أن ترفض تفاحة زواج الطبيب متمسكة ببائع الأنابيب ولن يكون غريبا في الفترات المقبلة أن يتم إزالة كل من يقع تحت طائلة الانبهار بتلك المهنة العظيمة والراقية وهي مهنة الطب وأيضا لن يكون غريبا إذا وجدنا شباب الأطباء وهم يتركون مهنة الطب للبحث عن مهن أخري وليكن بائع الأنابيب!!.. إننا محتاجون في مصر أن نراجع مرة أخري سياسة الأجور ولتكن المراجعة الأولي لأجور الأطباء.