--- On Fri, 6/12/09, منظمة الصحة العالمية ترفع درجة الاستعداد للوباء للدرجة السادسة
السيدات والسادة، في أواخر شهر نيسان/ أبريل أعلنت منظمة الصحة العالمية عن ظهور فيروس جديد من فيروسات الأنفلونزا من النمط A. والجدير بالذكر أنّ هذه السلالة الخاصة التي باتت تُعرف باسم H1N1 لم تكن معروفة بين البشر من قبل. ذلك أنّ الفيروس جديد كل الجدّة. إنّ هذا الفيروس مُعْدٍ وهو قادر على الانتشار بسهولة من شخص إلى آخر ومن بلد إلى آخر. وقد تأكّد حتى اليوم وقوع نحو 30,000 حالة في 74 بلداً. وهذه الأرقام لا تعطي الصورة الكاملة. والمُلاحظ، باستثناء بعض الحالات، أنّ البلدان التي تشهد حدوث حالات بأعداد كبيرة هي تلك التي تمتلك نُظماً جيدة في مجال الترصد وتتبع إجراءات اختبارية جيدة. ولم يعد من الممكن تتبع انتشار المرض في عدة بلدان للتمكّن من تحديد سلاسل سرايته بين البشر بوضوح. وقد بات استمرار انتشار الفيروس من الأمور التي لا يمكن تلافيها.
ولقد تباحثتُ مع أبرز الخبراء في مجال الأنفلونزا وأبرز أخصائيي الفيروسات ومسؤولي الصحة العمومية. وسعيتُ، طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في اللوائح الصحية الدولية، إلى الحصول على إرشادات ونصائح لجنة الطوارئ التي أُنشئت لهذا الغرض. واستناداً إلى البيّنات المتاحة وتقييم هؤلاء الخبراء لها يمكن القول بأنه تم استيفاء المعايير العلمية الخاصة بجائحة الأنفلونزا. وبناءً عليه قرّرت رفع مستوى الإنذار بجائحة الأنفلونزا من المرحلة الخامسة إلى المرحلة السادسة. والعالم يواجه، الآن، بداية جائحة الأنفلونزا لعام 2009.
إنّنا في الأيام الأولى من الجائحة. والفيروس ينتشر حالياً في ظلّ مراقبة وثيقة ودقيقة. ولم يسبق الكشف عن جائحة في مرحلة جد مبكرة كهذه أو مراقبتها عن كثب في الوقت الفعلي ومنذ بداياته الأُوّل. ويمكن للعالم اليوم أن يجني فوائد الاستثمارات التي وظّفها على مدى السنوات الخمس الماضية في مجال التأهب لمواجهة جائحة محتملة. إنّنا نبدأ المشوار ونحن نمتلك ميزة فريدة. وذلك يضعنا في موقف قوي. غير أنه يُلزمنا بالحصول على النُصح وعلى إشاعة الطمأنينة في ظلّ بيانات محدودة وشكوك علمية ضخمة.
وقد تمكّنا، بفضل أنشطة الرصد الوثيق والتحرّيات والتقارير الصريحة الواردة من البلدان، من رسم بعض الصور المبكّرة عن انتشار الفيروس ونطاق المرض الذي يمكنه إحداثه. ونحن ندرك أيضاً أنّ بإمكان هذه الصورة المبكّرة غير المكتملة أن تتطور بسرعة. ذلك أنّ الفيروس هو الذي يحدّد قواعد اللعبة وهذا الفيروس، على غرار جميع فيروسات الأنفلونزا، قادر على تغيير القواعد دون سابق إنذار أو سبب وفي أيّ وقت. ولدينا، على الصعيد العالمي، ما يكفي من المؤشرات على أنّ هذه الجائحة ستكون، في أيامها الأولى على الأقل، معتدلة الوخامة. ويمكن لدرجة الوخامة، كما نعلم من التجارب السابقة، أن تتغيّر وفق عوامل كثيرة ومن بلد إلى آخر. وتشير البيّنات الراهنة إلى أنّ معظم المرضى لا يعانون إلاّ من أعراض معتدلة ويتماثلون للشفاء الكامل بسرعة وبدون أيّ علاج طبي في غالب الأحيان. والمُلاحظ أنّ عدد الوفيات التي سُجلت في جميع أنحاء العالم لا يزال ضئيلاً. والجدير بالذكر أنّ كل حالة وفاة تمثّل حدثاً مأساوياً وعلينا أن نعدّ أنفسنا لرؤية المزيد منها. غير أنّنا لا نتوقع حدوث طفرة مفاجئة وهائلة في عدد الإصابات الوخيمة أو القاتلة. ونحن نعلم أنّ الفيروس H1N1 الجديد يصيب الأحداث بالدرجة الأولى. فقد لوحظ وقوع معظم الحالات، في جميع المناطق التي تشهد حدوث فاشيات كبرى ومتواصلة تقريباً، بين أشخاص تقلّ أعمارهم عن 25 عاماً. وفي بعض من تلك البلدان أُصيب نحو 2% من الحالات بمرض وخيم اتسم، في غالب الأحيان، بتطوّر سريع نحو التهاب رئوي يهدد حياة المريض.
إن معظم العداوى الوخيمة والمميتة أصاب أشخاصاً بالغين تتراوح أعمارهم بين 30 عاماً و50 عاماً. وهذا النمط يختلف كثيراً عن النمط الذي شهدناه في أوبئة الأنفلونزا الموسمية حيث حدثت معظم الوفيات في صفوف أشخاص مسنين يعتريهم الضعف. وكثير من الحالات الوخيمة، وليس كلها، حدث بين أشخاص مصابين باعتلالات مزمنة مستبطنة وحسبما هو متاح من البيانات الأولية المحدودة فإن أشيع الاعتلالات المعنية تشمل أمراض الجهاز التنفسي، ولاسيما الربو، والأمراض القلبية الوعائية وداء السكري واضطرابات المناعة الذاتية والسمنة. وفي الوقت نفسه تجدر الإشارة إلى أن ما يتراوح بين ثلث ونصف العداوى الوخيمة والمميتة يصيب شباباً أو أشخاصاً في منتصف العمر كانوا يتمتعون بصحة جيدة. ولا شك في أن الحوامل أشد تعرضاً لمخاطر المضاعفات. وهذه المخاطر الأشد تكتسي أهمية أكبر فيما يتعلق بفيروس، كهذا الفيروس، يصيب الفئات العمرية الأحدث أكثر من غيرها. وأخيراً، وربما هو أهم ما يقلقنا في هذا الصدد، فإننا لا نعرف كيف سيتصرف الفيروس في ظل الظروف النمطية السائدة في العالم النامي. فحتى الآن تم كشف الغالبية العظمى من الحالات وتحريها في بلدان موسرة نسبياً. واسمحوا لي بأن أركز على اثنين من الأسباب العديدة التي تبعث على هذا القلق. أولاً، يحدث 99% من وفيات الأمومة في العالم النامي، وهي تدل على سوء نوعية الرعاية أثناء الحمل والولادة. ثانياً، يتركز 85% تقريباً من عبء الأمراض المزمنة في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل. وعلى الرغم من أن الوباء يبدو معتدلاً في وخامته في البلدان الموسرة نسبياً فإن الحذر يقتضي التحسب لمواجهة صورة أكثر قتامة مع انتشار الفيروس إلى مناطق ذات موارد محدودة ورعاية صحية منخفضة المستوى ويرتفع فيها معدل الإصابة بالمشكلات الصحية المستبطنة. سيداتي وسادتي، إن من السمات التي تتصف بها الأوبئة سرعة انتشارها إلى جميع أنحاء العالم. ففي القرن الماضي كان هذا الانتشار يستغرق عادة ما يتراوح تقريباً بين ستة شهور وتسعة شهور، وذلك عندما كانت حركة السفر الدولي تتم بواسطة السفن أو القطارات. وينبغي للبلدان أن تتأهب لمواجهة الحالات أو اتساع انتشار الحالات في المستقبل القريب. أما البلدان التي يبدو فيها أن الفاشيات تصل إلى ذروتها فعليها أن تتأهب لمواجهة موجة ثانية من العدوى. وقد أُرسلت إلى وزارات الصحة في جميع البلدان إرشادات بشأن التدابير الوقائية والاحتياطية المحددة. وينبغي للبلدان التي لم تظهر فيها أية حالات، أو التي ظهرت فيها بضع حالات فقط، أن تظل متوخية للحيطة. وينبغي للبلدان التي يسري فيها الفيروس على نطاق واسع أن تركز على التدبير العلاجي الملائم للمرضى. وينبغي أن تكون تدابير الاختبار وتحري المرضى محدودة لأنها تستهلك موارد كبيرة ويمكن أن تشكل بسرعة عبئاً على القدرات. إن منظمة الصحة العالمية تقيم حواراً وثيقاً مع صانعي لقاحات الأنفلونزا. وعلى حد علمي سيتم إنتاج لقاحات الأنفلونزا الموسمية في القريب العاجل، وستتاح الطاقة الكاملة لتأمين أكبر قدر ممكن من إمدادات لقاح الجائحة في الشهور القادمة. ومازالت المنظمة توصي بعدم فرض أية قيود على حركة السفر وبعدم إغلاق الحدود. إن جوائح الأنفلونزا، سواء أكانت معتدلة أم وخيمة، تشكل أحداثاً غير عادية لأن جل سكان العالم حساسون للعدوى. ونحن نواجه هذا الموقف معاً وسوف نتخطاه معاً. وشكراً لكم.
No comments:
Post a Comment