http://www.ems.org.eg/akhpar_hama/5-27-5-2009.htm
ملاحظات أساسية حول
مشروع موازنة وزارة الصحة 2009/2010
إعداد الأستاذ / عبد الخالق فاروق
"الخبير في الشئون الإقتصادية والإستراتيجية"
سوف تقسم ملاحظاتنا التحليلية هنا إلي قسمين أساسيين:
الأول: ملاحظات منهجية في كيفية قراءة الموازنة العامة وأرقامها.
الثانية: في تحليل مضمون أرقام الموازنة الخاصة بوزارة الصحة والجهات التابعة لها.
أولاً: الملاحظات المنهجية:
تغيب عن كثير من المتعاملين مع موضوعات الموازنة العامة للدولة عموماً , وموازنات بعض الجهات الإدارية أو التنظيمية في القطاع الحكومي مجموعة من الحقائق التي ينبغي إعادة التذكير بها والتأكيد عليها منها:
1- مشروع الموازنة عادة هي تقديرات ربط يجري عليها خلال السنة المالية بعض التغييرات والتعديلات سواء بالزيادة أو النقصان في بعض أبوابها وبنودها لإعتبارات كثيرة , وهو ما يمنح وزير المالية ورئيس الوزراء سلطات مفتوحة في حدود20% من قيمة الإعتمادات المدرجة بالزيادة أو النقصان وبالتوافق مع الوزير المختص وذلك وفقاً لتأشيرات قانون الموازنة ذاته. وبالتالي فإن العبرة دائماًُ في حساب مضامين الموازنة العامة(نفقات وإيرادات) هو في وثيقة الحساب الختامي .
2- ان زيادة قيمة المخصص المالي للديون والمرتبات الوارد في مشروع الموازنة أو في الموازنة أو الحساب الختامي لا تعني بالضرورة أن تحسناً حقيقياً قد طرأ علي مستوي الدخول لكاسبي الأجور (سواء الأطباء أو هيئات التمريض أو غيرهم) لعدة أسباب علمية نذكر منها أربعة هي:
أ- ان زيادة الإعتماد المالي المخصص للباب الأول (الأجور والمرتبات والمكافآت) تؤدي بدورها إلي زيادة نسبة الأستقطاعات من الإستحقاقات الأجرية لهؤلاء سواء في صورة ضرائب كسب عملي او مزايا تأمينية أو غيرها , والتي تكاد تتراوح حالياً بين 20% إلي 30% من أجمالي الأستحقاقات الأجرية للعاملين في القطاع الحكومي.
ب- وأن هذة الاستقطاعات - وبصفة خاصة مايسمي بمجموعة المزايا التأمينية - تعود من الباب الخلفي لتدخل إلي جيب الحكومة - خاصة بعد ان وضعت وزارة المالية يدها بالباطل علي أموال صندوق التامينات الإجتماعية والتأمينات والمعاشات , حيث يجري اقتراحها دون دفع فوائد حقيقية لها لدي بنك الإستثمار أو وزارة المالية .
ج- وكذلك فإن أدخال عنصر التضخم وأرتفاع الأسعار في الأسواق ومقارنته بزيادة الدخول الأجرية سواء قبل الزيادة أو بعدها تظهر ان هناك دائماً تدهوراً في القيمة الحقيقية لهذة الأجور .
د- ومراجعة السلعة المعيارية أو مجموعات السلع والخدمات التي يبني علي أساسها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وخبرائه أو الجهات الرسمية الأخري في حساب الأرقام القياسية للأسعار (جملة-ريف-حضر) تكشف بحد ذاتها عن عدم دقة هذة الأرقام القياسية التي تحتسب علي أساسها معدلات التضخم وإرتفاع الأسعار وهذا موضوع قد يطول شرحه.
3- الملاحظة المنهجية الثالثة ترتبط قراءة ارقام وبيانات الاعتماداتالمالية المخصصة للإنفاق - مثل وزارة الصحة - غالباً ما يغفل البعض أن هذة الإعتمادات هي في جزء كبير منها عبارة عن إيرادات متحققة او سوف تحقق نم الجمهور (وهم هنا جمهور المؤضي في صور ورسوم شتي) وبالتالي ينبغي النظر غليها بإعتبارها ليس كلها عبئ علي الدولة با أن جزء منها فقط هو العبء.
4-أن عدم الالتفاف إلي الاعتمادات المالية المخصصة لما يسمي "قيمة الاعتماد الإجمالي"والاحتياطات المجنية يؤدي إلي حشر أعضاء مجلس الشعب المعارضين أو المستقلين في زاوية "من أين تأتي أموال لمطالبكم" وبالتالي فإن هناك أهمية قصوي في مراجعة ما يسمي "بالإعتمادات الإجمالية" أو "الأحتياطات" وفكها لمعرفة إلي أين تتجه وبالتالي إعادة توظيفها لصالح أولويات اجتماعية بدلاً من توجيهها - كما يجري منذ سنوات بعيدة - إلي الأمن والدفاع وتحديداً للإتفاق علي الأمن المركزي والشرطة.
ثانياً: الملاحظات التحليلية:
1- رصد مشروع الموازنة العامة للدولة للعام الحالي2009/2010 حوالي 16.5 مليار جنيه كمصروفات للقطاع الصحي تتكون من :
-
12.7 مليار جنيه لوزارة الصحة والجهات التابعة لها بواقع 67%.
-
3.2 مليار جنيه لمستشفيات الجامعة ومستشفيات جامعة الأزهر بواقع 19.4%.
-
وأخيراً 600 مليون جنيه إحتياطيات عامة بالباب الأول (أجور) لتحسين أحوال الطباء وهيئات التمريض بدافع 3.6% من الإجمالي.
2- ويرد علي هذا التوزيع عدم وضوح فيما يتعلق بمخصصات مستشفيات جامعة الأزهر مقابل بقية مستشفيات الجامعة.
3- ومقارنة بمخصصات العام الحالي 2008/2009 فأن مخصصات وزارة الصحة للعام الجديد قد زادت عن العام السابق بحوالي 26.2% وأن تفاوتت الزيادة من قطاع إلي آخر داخل الجهات التابعة لوزارة الصحة.
4- وزارة الصحة وحدها نالت 5602.6مليون جنيه (في العام السابق 4616.7مليون جنيه) بزيادة 21.4 اي انها وحدها قد حصلت علي 44.1% من إجمالي ما حصل عليه القطاع الصحي التابع لها, بينما المديريات الصحية حصلت علي 5234.9 مليون جنيه(مقابل 3919.6مليون جنيه في العام السابق) بنسبة زيادة 33.6% وبلغ تقيمها 41.7% من الأجمالي برغم ان العبء الرئيس العلاجي والوقائي يقع عيل هذة المديريات ووحداتها.
5- وهنا مناط جزء كبير من المشكلة فوفقاً لبيانات مركز معلومات وزارة الصحة لعام2008 فإن عدد القائمين بالعمل فعلاً بوزارة الصحة والمديريات الصحية بنجد ان الثقل الرئيسي يوجد في المديريات وليس الديوان العام كما يظهؤها البيان التالي:
جدول رقم (1)
إجمالي عدد القائمين بالعمل فعلاً في وزارة الصحة والجهات التابعة لها في يناير 2008
|
المصدر: وزارة الصحة والإسكان , الكتاب الإحصائي السنوي "القوي البشرية" المركز القومي لمعلومات الصحة
والسكان , إصدار 2008
6- فإذا تأملنا مخصصات الأجور والمرتبات بالديوان العام والمديريات الصحية سوف نكتشف وجود خلل كبير حيث بلغ هذا المخصص لعام 2009/2010 بالمديريات الصحة 4188.2مليون جنيه فإذا أضفنا إليها ما أدرجته الوزارة من مبلغ571.1 مليون جنيه و340.5مليون جنيه (جدول رقم 2 بالمشروع)كمخصصات لتحسين دخول الأطباء وهيئات التمريض ومرافق الأسعاف يكون لدينا حوال 50.0مليار جنيه أحور ومكافىت موزعة علي حوالي 172 ألف كادر طبي وعامل في المديريات الصحية.
7- لكن هذا الرقم بعد اختصام نسب الأستقطاعات سوف يقل بحوالي 20% عن قيمته الأسمية - دون إدخال عنصر التضخم وارتفاع الأسعار - بما يعني ان الأضافة التي يمكن أن تتحقق لأجور ومكافآت الأطباء بالمحافظات لن تزيد عن حوالي 250 جنيهاً شهرياً بينما تزيد عن حوالي 70 جنيهاً إلي 100جنيهاً لهيئات التمريض والفنيين بالمديريات والهئيات الصحية بالمحافظات.
8- والحل الأمثل في موضوع الجور والمرتبات هو التوقف فوراُ عن اسلوب "السلم الأجري الثعباني"الذي تتبعته الحكومة منذ عام 1987 والعمل علب إعادة النظر في هيكل ونظام الأجور كله حيث:
أ- يجري ضم كل العلاوات الخاصة المقررة منذ عام 1987 إلي المرتب الأساسي.
ب- ضم مخصصات المكافآت إلي بند الأجر الأساسي وإعادة الإعتبار الأدبي والمادي والوظيفي لمفهوم"الأجر الأساسي"Base Salary
ج- إعادة وضع عناصر وبنود الأجور المتغيرة إلي حجمها الطبيعي في نظام الأجور بالقطاع الحكومي ووقف التلاعب به.
9- فإذا تأملنا الهيكل الأهم للأجور والمرتبات بالمديريات الصحية (وفقاً للجدول رقم 3 بمشروع الموازنة)نجد الآتي:
أ- شغالي الوظائف الدائمة لن تزيد مستحقاتهم الأجرية لعام 2009/2010 سوي ب10% فقط عن العام الماضي وهي نفسها قيمة "العلاوة الخاصة"المقررة من جانب الحكومة.
ب- بند المكافآت تضاعف لحوالي مرة وثلث (133.3%) خلال هذا العام وقد أصبح هذا البند يشكل حوالي 40% إلي 45% من فاتورة الأجور والمرتبات بالموازنة العامة للدولة عموماً وهو ما أدي لتشوه النظام الأجري وخلق "سيرك للأجور والمرتبات" في أجهزة الدولة المختلفة حيث يعتمد تعزيز هذا البند من وزارة إلي أخري ومن مصلحة حكومية إلي اخري علي عنصرين ليس لهما علاقة بالكفاءة الإدارية للجهة وهي :
- مدي العلاقة الشخصية القوية التي تربط رئيس الجهة بوزير المالية أو رئيس مجلس الوزراء أو رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
- مدي نفوذ وقوة هذة المنظمة الإدارية مثلاً علي بقية الجهاز الإداري للدولة وخصوصا علي وزارة المالية عبر علاقات مصالح متبادلة.
(راجع في هذا كتابنا:جذور الفساد الإداري في مصر , دار الشروق 2009)
ج- أما بند المزايا النقدية والذي يشتمل علي سبعة عناصر مثل (إعانة غلاء المعيشة - العلاوة الخاصة - العلاوة الإجتماعية - العلاوة التشجيعية - المنحة المركبة - تكاليف تعويض العاملات عن الأجازات الخاصة) فقد زاد بنسبة 47.3% عن العام السابق .
د- أما "المزايا التأمينية" والتي تكاد تشكل حوالي 15.1% من إجمالي الأجور المدرجة للعاملين بالمديريات الصحية لعام 2009/2010 , فهي لا تدخل إلي جيوب العاملين -كما سبق وأشرنا - بل يجري إحالتها إلي صناديق التأمينات ومنها إلي وزارة المالية دون أن تضاف إليها فوائد هذا الإقتراض .
هـ - وبالنسبة "للمزايا العينية" البالغة 108.5 مليون جنيه وتتضمن (ملابس للعاملين- وأغذية وانشطة رياضية وإجتماعية .. إلخ) .
- وبالتالي فإذا اختصمنا هذة العناصر (المزايا التأمينية + الضرائب + المزايا العينية) فإن مخصص الأجور الفعلي الذي سيدخل إلي جيوب العاملين بالمديريات سوف يقل بحوالي 30% من الأرقام الواردة رسمياً في مشروع الموازنة.
10- تضمنت موازنة وزارة الصحة كذلك مبلغ 1.2 مليار جنيه في صورة "دعم ومنح ومزايا إجتماعية"منها حوالي 1.0مليار لتغطية تكاليف العلاج علي نفقة الدولة والتي يستفيد منها حوالي 1.2مليون مريض سنويا (بمتوسط حوالي 700جنيه للمريض الواحد)وقد أثبت هذا النظام عدم كفاءتها علاوة علي إيذائه لكرامة المصريين من المرضي الفقراء وما صاحبه من إستخدام الوساطة والمحسوبية والفساد.
وقد يكون من المناسب إعادة هيكلة هذا الإعتماد المالي ليوجه مباشرة إلي المستشفيات أو نظام التأمين الصحي وهو ما يتضمنه تفصيلاً مشروع كتابنا حول "كم انفق المصريون علي الصحة".
11- من جهة اخري فإن مخصصات الباب الثاني (شراء السلع والخدمات ومستلزمات التشغيل ) والذي بلغ 2488مليون جنيه في مشروع عام 2009/2010 وتوزيعاتها حيث:
|
12- وبينما نجد أن عدد زوار المستشفيات الحوكمية (المترددين علي العيادات الخارجية) بلغوا عام2006 حوالي 49.7مليون مريض , أقام منهم داخل مستشفيات وزارة الصحة حوالي 4.7 مليون مريض فإن هذا المخصص المالي لشراء المستلزمات العلاجية هو ادني من المستوي الإنساني المناسب (أقل من 51جنيهاً للمريض الواحد سنوياً ).
- وبالتالي فإن إعادة النظر في هذا الباب ضرورة تقتضيها سلامة التعامل مع قضايا الصحة في مصر.
13- نأتي إلي الباب السادس (الإستثمارات ): حيث تضمن مشروع الموازنة حوالي 2.8 مليار جنيه في صورة إستثمارات مقابل 2.4مليار جنيه في العام السابق (بنسبة زيادة 16.7%) وبما يعادل 17% من إجمالي القطاع الصحي , وإن كان يلاحظ علي هذا الإعتماد المالي الآتي :
أ- يلفت النظر .. المخصص المالي بقيمة 419.0مليون جنيه تحت بند مسمي "برنامج دعم إصلاح السياسات" أي ما يعادل ربع الباب السادس لا نعرف علي وجه الدقة ما هو مضمون هذا البرنامج علي الأرض وبين وحدات القطاع الصحي وماهي الفائدة التي تحققت من ورائه لملايين المرضي.
ب- ما يلفت النظر أيضا ما خص مرفق الأسعاف بقيمة 233.0مليون جنيه في نفس الوقت الذي ما فتأ فيه وزير الصحة يتحدث عن "خصخصة" هذا المرفق وبيعه , فهل المبالغ المرصودة لتطوير هذا المرفق هي مجرد مقدمه لبيع هذا المرفق الحيوي وتسليمه بنظام "المفتاح"turn-over ليصبح ثمرة طازجة لهؤلاء المستثمريين بعد ان تنفق عليه الدولة الملايين ؟
ج- وحدات الرعاية الصحية الأوليه التابعة للديوان العام للوزارة خصها حوالي 593.5مليون جنيه أي حوالي 21.2% من إجمالي الإستثمارات والسؤال : ماهي هذة الوحدات؟
د- هناك200.5مليون جنيه أخري خصصت للإمدادات والتجهيزات المتقدمة دون ان يكون محدداً مكان توزيع هذة الإمدادات والتجهيزات.
هـ - بنوك الدم خصها 99.0مليون جنيه.
و- أما هذة المستشفيات والمعاهد التعليمية فقد خصها 103.0مليون جنيه كأستثمارات إضافية.
ز- تضيف مشروع الموازنة 600.0 مليون جنيه في صورة إحتياطيات إضافية علي حساب "الباب الأول: أجور ومرتبات" بينما سبق تخصيص حوالي 915.0 مليون جنيه لدعم مكافآت الأطباء وهيئات التمريض في الباب الأول بديوان عام الوزارة , ما يعني وجود هذا المبلغ "حراً" تحت صرف الوزير لمواجهة المواقف الأحتجاجية الطارئة واطفاء الحرائق التي قد تشتعل هنا او هناك في صورة احتجاجات او تظاهرات من الكوادر الطبية.
ح- وأخيراً خصص مشروع الموازنة علي حساب الباب السادس (استثمارات)مبلغ 149.9مليون جنيه تحت مسمي "البحوث والتطوير في مجال الصحة" ولا نعرف علي وجه الدقة ماهي مشروعات البحوث تلك وماهي نتائجها أم أنها مجرد "مبلغ تعليق إضافي" يستخدمها الوزير في هذة الحالة أو تلك.
هذة هي بعض الملاحظات السريعة عن مشروع الموازنة الخاصة بوزارة الصحة
مع خالص مودتي
موضوعات ذات صلة
مشروع موازنة وزارة الصحة لعام 2009/2010
No comments:
Post a Comment