http://dostor.org/?q=node/6808
د. هشام قاسم
يطالب الأطباء منذ أزمنة سحيقة برفع مرتباتهم، وعندما ظهرت منظمة «أطباء بلا حقوق» تطورت المطالب إلي إنشاء كادر خاص بهم يبدأ الطبيب الجديد فيه بخمسمائة جنيه، وعندما قفزت الأسعار في الأيام الأخيرة السابقة تعدل المطلب إلي ألف جنيه - وإذا سار قطار الغلاء علي ما هو عليه الآن قد يصلون عند نهاية العام إلي ألفي جنيه - وهو ما لم يتحقق حتي الآن رغم انعقاد جمعيتين عموميتين طارئتين لنقابة الأطباء، والدعوة لإضراب الأطباء عن العمل وتهديد السلطة لهم بأن إضرابهم غير قانوني لتعارضه مع قرار سابق لرئيس الوزراء. بمنع الإضراب في المنشآت الحيوية.. ثم سعي الأطباء بلإثبات حقهم في الإضراب عن طريق المحاكم.
هذا غير الوقفات الاحتجاجية أمام مجلس الشعب ونقابة الأطباء، كل هذا لم يثمر شيئاً سوي زيادة أجور نوبتجيات الأطباء والتي لها حد أقصي من العدد... ثماني للإخصائي واثنتا عشرة للنائب.. هذا إذا افترضنا أن كل طبيب يستطيع الوصول إلي الحد الأقصي منها؛ لأنها تعتمد علي عدد الأطباء الموجودين بالمستشفي ومدي حاجة العمل.
يبدو أن وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي قرر أن يتخذ منحي آخر مختلفاً عن كل ما سبق، وأن يتجه وجهة أخري جديدة بأن ينشئ كادراً خاصاً لمديري المستشفيات برفع نسبة البدل لهم من 150% إلي 1200% أي سنضرب أساسي مرتب المدير في 12 لنحصل علي قيمة بدلاته!. فإذا كان في المتوسط 500 جنيه تصبح البدلات ستة آلاف جنيه مصري.. هذا غير الراتب والبدلات الأخري والحوافز ودخل العلاج الاقتصادي.. أي أن دخله لن يقل عن ثمانية آلاف جنيه!
قد يقول قائل: بالطبع لست أنا.. فأنا موظف غلبان بوزارة الصحة العمومية - ما العلاقة بين كادر مديري المستشفيات والأطباء.. أقول لك إن العلاقة وثيقة؛ لأنها قائمة علي فكرة الكل في واحد.. فسعادة الأطباء من سعادة مديرهم، وكادر الأطباء من كادره، وغناه هو غناهم، وهي فكرة تراثية فرعونية قديمة عندما كان يبني الشعب المصري هرم الملك ويرفعون أحجاره الثقيلة التي يرم الواحد منها ثلاثة أطنان حجراً.. حجراً وهم في أتم رضا وسعادة؛ لأن ملكهم ليس كأي ملك عادي.. ملكهم كان إلاهاً محترماً جديراً بالعبادة.. ومن هنا عندما يقبض الطبيب الحديث 250 جنيهاً يشعر أنه قبض ثمانية آلاف من الجنيهات فيعم الرضي جميع الأطباء.
هذا غير أن مديري المستشفيات عندما يكونون في بحبوحة من البدلات سيمدون أياديهم إلي أيادي بقية الأطباء الغلابة: خذ يا ولد لا تكن محرجاً!
وعندما يدرك الأطباء رقة قلوب مديريهم بعد أن أصابهم غني البدلات سيعملون علي استدرار عطفهم. فقد يأتي أحدهم بعكاز أو بجبيرة في ساقه صنعها له طبيب العظام، وآخر حاملاً كيس جمع البول أمر بصرفه لأحد المرضي واحتفظ به لنفسه، وثالث بعين سليمة وأخري عوراء ساعده علي إتلافها طبيب العيون.. صائحين بكل شجن وألم:
لله يا مدير!
فيمد يده بالحسنة القليلة التي تمنع بلاوي الأطباء الكبيرة.
هكذا تكون الفكرة العبقرية التي لا مثيل لها؟ لأنها ستحل مشاكل الأطباء بلا احتياج لكادر خاص بهم. ومن فوائدها الجمَّة وخبثها الشديد أنها لن تكلف ميزانية الدولة غير بدلات مديري المستشفيات العمومية والمركزية والتي يبلغ عددها 381 فقط ومهما صرف لهم من بدلات لن تكون شيئاً - خصوصاً أنه اشترط لحصولهم عليها كاملة التفرغ للإدارة - إذا ما قورنت بكادر الأطباء الذي يخص 164 ألف طبيب يعملون بالوزارة.