Friday, October 09, 2009

إعدام التأمين الصحي الاجتماعي علي يد وزير المالية

د.محمد حسن خليل استشاري امراض القلب بالتامين الصحي مستشفي مدينة نصر -
مقال منشور بجريدة الدستور 23-9-09

بعد أن ظلت التعديلات التي أدخلت علي مشروع قانون التأمين الصحي والدراسات التي أدت إليه في طي الكتمان منذ مسودة 8 التي وزعها الوزير منذ حوالي عام ونصف العام حتي المسودة 14 حتي المشروع الحالي، و التي لعبت خلاله شركة «هويت» الإنجليزية دور عّراب المشروع التي قامت بالدراسة الاكتوارية، وهي شركة لدراسات الجدوي الاقتصادية للمشاريع الاستثمارية في التأمين مما يوضح توجه القانون الجديد. وأي قانون هو علاقة تعاقدية بين طرفين تحدد حقوق وواجبات كل طرف. والطرفن هنا هما المواطن المنتفع بالتأمين الصحي وهيئة التأمين الصحي، فما الجديد الذي يأتي به القانون في مجال حقوق المريض والتزاماته ناحية هيئة التأمين الصحي؟
أولا: التأمين الصحي يعالج بعض الأمراض فقط!
الفارق الأساسي بين القانون الموجود حاليا والقانون الجديد هو أن التأمين الصحي حاليا يعالج كل الأمراض أي يقدم حزمة شاملة ويساوي بين كل المواطنين فيها، مثل كل قوانين التأمين الصحي الاجتماعي في أوروبا الغربية وكندا واليابان. أما القانون الجديد فيعالج بعض الأمراض ويستثني البعض الآخر بالضبط كما يفعل التأمين الصحي التجاري في الولايات المتحدة! وما العمل إذا مرض المريض بهذة الأمراض الأخري؟ يجيب وزير الصحة في تصريحاته المتعددة: بوليصات تأمينية متعددة (بالطبع لدي شركات التأمين الصحي الخاصة عالية التكلفة)! وهذا من الأهداف المعلنة للقانون الجديد ولمشروع الإصلاح الصحي المتفق عليه مع البنك الدولي الذي يهدف لزيادة نصيب القطاع الخاص! ولكي نثبت أن انسحاب التأمين الصحي من علاج أمراض معينة هو إتاحة الفرصة للمستثمرين في القطاع الخاص للتربح من المتاجرة في المرض يكفي أن نقرأ تصريح الدكتور إيهاب أبو المجد - أحد واضعي قانون شركات الرعاية الصحية الذي ينظم شركات التأمين الخاصة - عندما يتحدث عن التكامل بين قانون التأمين الصحي الجديد وقانون شركات التأمين الخاصة، إذ تتقدم الشركات الخاصة لتغطي المجالات التي ينسحب منها التأمين، ولهذا سيدخل القانونان معا لمجلس الشعب!
ما العمل عندما يصاب مريض بالسرطان إذا كان السرطان خارج الحزمة؟ أو يحتاج إلي جراحة قلب مفتوح أو غسيل كلوي؟ إما أن يقدروا علي قسط خاص لشركة ربحية خاصة أو أن يشحتوا من أهل الخير تكاليف علاجهم، أو- ببساطة- يموتوا!!!
ولكن ما الحزمة العلاجية أو الأمراض التي سوف يعالجها التأمين الصحي في ظل القانون الجديد؟.. بالطبع مثل كارثة تحرص الحكومة علي تخبئتها!! فالقانون الذي يحدد بالتفصيل التزامات المواطن يصمت عن حقوقه ويتركها للائحة التنفيذية! بل يعطي القانون للسلطة التنفيذية بناء علي اقتراح من وزير الصحة أن تعدل من حزمة الأمراض التي تعالج في التأمين الصحي! وليس هذا سوي إعلان وفاة القانون ومنح السلطة الإدارية حق تحديد حزمة الأمراض التي تعالجها وحق الانتقاص منها في أي وقت دون الرجوع للمجلس التشريعي! نستيقظ ذات صباح فنكتشف أن جراحات تغيير المفاصل خرجت من الحزمة التأمينية، وفي اليوم التالي نكتشف أن السرطان قد خرج أيضا! فهنيئا لنا بالتأمين الصحي التجاري الأمريكي الذي يعمل أوباما علي تغييره في أمريكا ونستورده في مصر!
المريض لا يستطيع الوفاء بالتزامات النظام الجديد لأنها فوق طاقته !
واجبات المريض في أي تأمين صحي هي الاشتراك بنسبة من راتبه (حاليا 4% من الراتب يدفع منها الموظف 1% وصاحب العمل 3%). هذا يحمي المؤمن عليه من دفع تكلفة علاج لا يقدر عليها عند المرض فماذا عن القانون الجديد؟.. أولا: يخفف عن أصحاب الأعمال البائسين فيجعل نسبتهم 1% فقط! أما المستوظفون الأغنياء فيرفع من نسبتهم إلي 1.5%! ليس هذا فحسب، بل إنه يلزمهم بدفع مساهمات في سعر العلاج هي ثلث ثمن الأدوية والفحوص في العيادة الخارجية. أي أن من يحتاج إلي أشعة مقطعية أو رنين مغناطيسي يجب أن يكون معه 300 أو 400 جنية ثلث الثمن وإلا فلن يتم عمل الفحص له! أما في القسم الداخلي فيدفع المواطن نسبة لا يجب أن تتعدي 25% من سعر الخدمة بما فيها تكلفة العمليات وغيرها!
إليكم التطبيق العملي علي هذا: فقد أصدر وزير الصحة قرارا بتاريخ أول يوليو الماضي يقضي بأن يدفع منتفع التأمين الصحي الذي يتقرر له زرع نخاع عظام لعلاج أنواع من سرطانات الدم بقرار من التأمين الصحي كمنتفع في معهد ناصر، خمسة وعشرين ألف جنيه هي ربع تكلفة العملية وهذا القرار السري لم يكتشف إلا عند توجه مرضي لزراعة النخاع إلي معهد ناصر لتنفيذ قرار التأمين الصحي! ويعد هذا امتدادا لمواقف وزير الصحة التي قال فيها إنه قد طبق قانون التأمين الصحي علي محافظة السويس رغم أن القانون لم يصدر بعد!
بل إن السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الوزراء تملك السلطة في زيادة نسبة الاشتراك كل ثلاث سنوات بناء علي مراجعة ميزانية الهيئة واقتراح من وزير الصحة دون الرجوع للسلطة التشريعية وإصدار قانون جديد! وهكذا فإن هذا القانون يفترض به أن يكون شهادة نهاية القوانين مادام يعطي السلطة التنفيذية حق زيادة الرسوم وتقليل الخدمات دون قانون جديد ودون عرض علي مجلس الشعب.
هذا عن حقوق وواجبات المؤمن عليهم حاليا في حال تعديل القانون الحالي فماذا عن المواطنين غير المؤمن عليهم وسوف يتم توسيع مظلة التأمين لكي تشملهم تدريجيا حتي سنة 2025؟ سوف يدفع كل منهم 10 جنيهات شهريا إذا كان عاملا و15 جنيها إذا كان مهنيا عن نفسه، ومثلها عن زوجته، وكذلك عن الأبناء غير الملتحقين بالتعليم! ومادامت وزارة التضامن الاجتماعي سوف تدفع أعباء غير القادرين الذين تحددهم بثلاثة ملايين أسرة أو حوالي 17 مليون مواطن فقط فلا يحق للمواطن الشكوي من أنه سوف يضطر إلي دفع 40 أو 50 جنيها شهريا عن زوجته وأولاده!
إن الموضوع في غاية الخطورة، ولابد أن يتكاتف المجتمع المدني ضد هذا القانون. وإذا كانت أربع وخمسون منظمة من منظمات المجتمع المدني بما فيها تسعة أحزاب معارضة ونقابات مهنية وعمالية ومنظمات حقوق إنسان وغيرها قد وقعت في أكتوبر الماضي علي الإعلان المصري الثاني عن حق المصريين في الصحة الذي يتفق مع حكم محكمة القضاء الإداري برفض خصخصة الصحة فإنهم مدعوون اليوم لرفع صوتهم لمجلس الشعب وفي الصحافة ضد قانون بناء التأمين الصحي التجاري لصالح المستثمرين علي حساب التأمين الصحي الاجتماعي الذي يجعل الطب خدمة لا سلعة.

No comments: